الفقر في مملكة حميدو


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.

عالم الطفل في سنواته الأولى صغير ومحدود، فهو يعيش بين عائلته وبيئته البسيطة. المنزل، والمدرسة ، والمسجد والأصدقاء.. يلعب ويتسلى في دائرته الصغيرة التي يظنها كل الحياة. لا يدرك أن هناك عوالم مختلفة عنه تمامًا. هناك بيوتًا ينام أطفالها جائعين، وأسرًا لا تملك ثمنًا للدواء لتعالج مرضاها أو أدوات مدرسية لتعلم أطفالها. عالم الفقر بالنسبة له غير مرئي، وغالبًا لا يُذكر في أحاديث الكبار من حوله.

"رغيف خبز على الطريق" للكاتبة هديل ناشف، ورسوم أسامة مزهر. قصة مؤثرة، تعطينا لمحة عن حالة الفقر، وتصورها بطريقة تلامس قلوب أطفالنا المرهفة. هذه القصص لا تبث الحزن والخوف، بل العكس فهي تعزز التعاطف والرحمة لفئة مهمة ورئيسية في المجتمع، ومقدمة وباب لفهم أعمق للعدالة والمساواة.

حميدو الطفل:

تبدأ القصة بالطفل حميدو، وهو يستعد لدخول مكانه السري، حيث يتوج نفسه ملكًا، ويهتم بأمور رعيته. النص مباشر وواضح، ولا يخبرنا عن حالة حميدو ووضعه الواقعي، ولكن إذا تأملنا الرسمة الأولى، نلاحظ بيئة حميدو المظلمة والمعدمة. ونلاحظ كذلك النور المنبعث من مكانه السري، المكان الذي يلعب فيه لعبة الملك. يتضح لنا من هذا التناقض أن حميدو الطفل، يهرب لبقعة أكثر أمانًا وراحة في خياله. يكون هو الملك، الذي يملك كل شيء في الحياة.

حميدو الملك:

عندما أصبح حميدو ملكًا، نظن بأنه سيأكل من شتى أصناف الطعام، وأنه سيمرح ويرقص، ويأمر وينهى، ويكون ملكًا جبارًا يأخذ كل شيء لنفسه. لكنه كان عطوفًا رحيمًا بالناس، ويهتم بأمور مملكته بأمانة وإخلاص. قدمت الكاتبة، وصفًا دقيقًا لهذا الملك الطيب، فأحياًنًا يطعم الجائع، ويرعى اليتيم، ويقدم الملجأ والمأوى للفقراء والمساكين، ويحميهم من الأمطار والعواصف.

إن التعويض الرمزي في لعبة الملك الذي صورته الكاتبة، شائع وطبيعي عند الأطفال. وفي حالة الطفل حميدو هنا، يعتبر سلوك صحي للتعامل مع المشاعر والأحاسيس الداخلية. إن كل ما قدمه الملك حميدو للناس، هو شيء ناقص عنده هو. حميدو هو الطفل الجائع، اليتيم، الذي ينام تحت سقف مشقق، تخترقه مياه الأمطار وأصوات الرعود المدوية.

كان يمكن لهذا الملك أن يختار أن يطعم نفسه، ويأتي بأبوين جديدين له، ويحمي نفسه في قصر حجري كبير لا يخترقه ماء ولا صوت. لماذا لم تكتب الكاتبة القصة بهذا الشكل؟ ستكون أكثر متعة للأطفال وسنتفهم نحن القارئون إن أصبح ملكًا أنانيًا، أليس كذلك؟ ربما.. لكنها ليست شخصية الطفل حميدو. اعتقد بأن القصة تخبرنا، أن النقص ليس ضعفًا ولا عيبًا، ولا مبررًا للتصرفات السيئة. بل إنه يبرز عالمنا الداخلي، يخرج حقيقتنا. وهذه حقيقة حميدو. معطاء، ومعين، وخدوم، وصادق وأمين، وطيب القلب. إنه ملك حقيقي، وهذه سمات الملوك.

بعد أن انتهى حميدو من لعبته، ذهب ليفتش عن طعام يأكله، لكنه لم يجد شيئًا. فعاد إلى فراشه جائعًا وآملاً بأن الملك حميدو سوف يطرق باب بيته ويناوله رغيفًا ساخنًا. ظل يفكر بأنه لن يتأخر، وسيصل قريبًا. هكذا انتهت القصة. الطفل الطيب حميدو، ينام بمعدة فارغه. إنها بلا شك نهاية مؤلمة لأبنائنا القراء الصغار، وقد وجدت من انتقد هذه القصة في ساحة أدب الطفل، على أن نهايتها محزنة ومحبطة للطفل القارئ. لكنني أراها نهاية حقيقية على أقل تقدير، وفيها أمل قريب بأن حميدو سيجد من يساعده. وهذه دعوة لنا، لأن نكون هذا الملك، وأن نمد يد العون لإخواننا المحتاجين.

نشاط مع طفلك:

ناقش مع طفلك موضوع الصدقة، أهميتها وأنواعها، وعلمه فضلها في الإسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله.." عندما يمل طفلك من ألعابه مثلًا، بإمكانكم وضعها في صندوق، واذهبوا بها لمركز التبرعات. أو مثلًا ضع صندوق في البيت لجمع التبرعات الشهرية، بحيث تشارك العائلة في الصدقة. هذا النشاط يعزز المسؤولية، والعطاء عند طفلك. وبإمكانه وضع ما يحب من ألعاب أو من مصروفه اليومي.

إن ربط القصص والأدب الذي نقرؤه لأبنائنا، وتطبيق القيم التي بها في حياتنا اليومية يوثق العلاقة بين التعلم والعمل. يقول ابن قيم الجوزية -رحمه الله- " العلمُ إمامُ العمل، والعملُ تابعٌ له، والعلمُ بلا عملٍ كالشجر بلا ثمر".

قصة "رغيف خبز على الطريق" تذكرنا أن الفقر ليس عيبًا أو نقصًا، بل هو حال من أحوال الحياة الكثيرة. قد يمر به الإنسان ويخرج منه. وقد يولد فيه ويصبر عليه. الطفل حميدو ليس موضعًا للشفقة، إنه شخصية كاملة، وحقيقية، وتعيش تحدياتها بأمل وشجاعة. كما أن المجتمع يبنى بالرحمة والتكافل، ومسؤولية كل فرد فيه أن يسهم بما يستطيع، للتخفيف من معاناة من حوله. والصدقة في الإسلام أجرها عظيم، تطهر المال وتزرع الأمل، وتفتح أبواب الخير في الدنيا والآخرة. والله ولي التوفيق.

Next
Next

أمي تحب الفتوش