أمي تحب الفتوش


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.

عندما يصل الطفل لهذا العالم الجميل، أول ما يطلبه منا هو الطعام. يكون حليب الأم بداية شعوره بالحب وتذوقه من فمه، ثم تبدأ علاقة الطفل والأم تتبلور نفسياً وجسميّاً خلال سنته الأولى. لكنه بعد أن يكبر قليلًا، يكتشف أن الطعام وسيلة لجمع الأسرة معًا في أوقات معينة من اليوم. يلاحظ أن الطعام يأتي بصحبته القصص والأحاديث والضحك، والبهجة. يتعلم أن للطعام أبعاد ومعاني جديدة لم يكن يعرفها.

إن ارتباط الطعام بعلاقاتنا الأسرية والإجتماعية شيء متجذر فينا. فهو لا يغذي الجسد فحسب، بل يغذي الروح أيضًا عندما يكون بصحبة من نحبهم. حتى لو كان ذلك الطعام بسيط، وخفيف وعادي مثل طبق فتوش.

 

"أمي تحب الفتوش" للكاتبة إيفا كوزما، ورسوم عزة حسين. قصة تتحدث عن فتاة صغيرة، تساعد أمها في إعداد طبق فتوش في صحن كبير جدًا. ثم يدعون أفراد العائلة، الأخوال والأعمام والجد والجدة، والجيران، لمائدة طعام مغذية وممتعة. قصة قصيرة، تشعرنا بالأمان والسلام العائلي. لنتأمل معًا هذه الصفحة ونستخرج بعض معانيها.

نلاحظ أفراد العائلة الراشدين يجلسون على طاولة مستطيلة وممتدة يمين اللوحة، والأطفال يجلسون على طاولة منفصلة يسار اللوحة. وجميعهم يأكلون الفتوش بأوضاع مختلفة. أما الأم هي وحدها الواقفة وتتوسط العمل الفني كاملًا، ونراها مبتسمة بخجل، وكأنها تستقبل مديحًا على ترتيبها هذه المائدة.

استعانت الفنانة بالتناقض في حالة الشخصيات كي تبرز الأم كعنصر رئيسي في اللوحة، فكلهم جالسون، وهي واقفة. وصحونهم ممتلئة، وصحنها لا زال نظيفًا. ولباسهم بلون بني مشابه لبعضه، ولباسها أبيض وواضح. كل ذلك يوجّه انتباهنا نحوها مباشرة، ثم يذهب نظرنا للمحيطين بها في الطاولة الكبيرة، ثم ينتقل للأطفال، ويعود مجددًا نحوها. هذا التكوين الفني البديع والمتوازن يشعرنا بدفء عائلي محب يدور ويحيط بهم كلهم.

كما أن اللون البني والبرتقالي الباهت الذي يطغى على معظم صفحات هذا الكتاب، هي ألوان الأرض، والطبيعة، وتمنح شعورًا بالأصالة والوطن وهذه معاني طيبة للعائلة. ونلاحظ أخيرًا وجودهم في فناء سطح المنزل، تعبيرًا في عفوية هذا الاجتماع. إنها ليست وليمة رسمية، بل تجديد عهد وشكر لله على نعمة العافية والترابط العائلي.

إعداد فتوش مصغر مع طفلك:

يبدأ الكتاب بنص سهل ويسير للقراءة، عن وصفة إعداد الفتوش، ثم ينتقل حيث تدعو الأم العائلة، وينتهي بسعادة الجميع وشكر الأم على كرمها وحبها. هذه فكرة ممتازة للقيام بمثل هذا النشاط الممتع مع أطفالنا. ليس بالضرورة إعداد فتوش، نستطيع اختيار أي طبق سهل وسريع وممتع. مثلًا، إعداد سلطة فواكة من التفاح والبرتقال والموز والفراولة والعنب… دع طفلك يختار الفواكة بنفسه، ويتعلم على أسماءها، وتحاور معه عن ألوانها ومذاقها. اسأله مثلًا عن ماهي أكثر فاكهة يحبها؟ هل هي حامضة أم حلوة؟ وما الفرق؟ ومن الشخص الذي يريد أن يشارك معه هذا الطبق؟ ولماذا؟ بإمكانك السماح له أن يقطع الفواكة بنفسه أيضًا، ولكن يتطلب ذلك إشراف وحذر منك. السكاكين البلاستيكية بديل أكثر أمانًا للاستخدام في هذه الحالة.

أو ربما طعام أبسط من ذلك، مثل خبز محمص مع اللبنة أو الجبنة والزعتر. بإمكانه أن يصنع شطيرته الخاصة للمدرسة. إن الهدف ليس الطعام تحديدًا، وإنما استشعاره قيمة الطعام كعنصر للمشاركة والعناية والاهتمام. عندما يشارك ويساعد أطفالنا في المطبخ، فهم يشاركون في الحفاظ على ترابط العائلة، والحب والدفء في البيت. عندما تقول ابنتك "اليوم ساعدت ماما في المطبخ" هي تقول (أنا أحب هذه العائلة، وأريدها أن تبقى).

إن الطعام نعمة من نعم الله الكثيرة، وعلينا أن نتذكر دائمًا شكر الله ولا ننسى. فهو يلون حياتنا، ويضفي على أيامنا ولحظاتنا، -حتى الصعبة منها- الضحك والسرور والبهجة. فهي من النعم التي لو اختفت، اختفى معها أشياء كثيرة. "أمي تحب الفتوش" قصة تعلمنا أن الكرم، واجتماعات العائلة الأكثر حبًا ومسرة، لا تتطلب وليمة كبيرة تضم كل أصناف الطعام المتنوعة. إن طبق فتوش ملون واحد يكفي. والله ولي التوفيق.

Next
Next

العطاء غير المتوازن